حلا عضو ماسي
عدد المساهمات : 3396 تاريخ التسجيل : 04/07/2009
| موضوع: من دفتر الذكريات الأربعاء أكتوبر 28, 2009 2:01 am | |
| أول ما تفتحت عيناي عليه كان قويا صاخبا بالحياة 0 ومرت سنوات ، وهزل وانحنى ، ومرت سنوات أخرى ، ومشيت وراء النعش مذهولا 00 لا أكاد اصدق إن العملاق النابض بالحياة يحمل جسدا ضئيلا ، بعيدا عن الحياة 0 قيل لي بعد أن بدأت أعي ما حولي : " أبوك في الستين " ، ولم يكن الرقم يعني لي شيئا حينئذ0 وكبرت قليلا ، وأدركت أن السنين الستين ترتبط بالأذهان في الشيخوخة ، وأصبت بالحيرة 0 كان أبي تجسيدا للعنفوان ، فكيف يجتمع عنفوان وكبر ؟! كانت خطواته تهز الأرض ، وتبتلع الدرج قفزا ، وكان منتصبا كالرمح ، كان أوسم من رأيت من الرجال 0 وقبل أن يودع الدنيا بأيام كان لقائي الأخير معه كان قد تجاوز التسعين ، بدا كأنه يتعذر بالضعف عن الحيوية التي لازمت شبابه وكهولته ، كان يتجلد أمام الزوار ويصمد ، يجلس بكامل هيبته وهيئته ، يخشى أن تخونه الذاكرة ، أو ينزلق لسانه بجملة لا معنى لها 0 اعترف للسنين بانتصارها على جسده ، لكنه لم يسمح لها بالتسلل إلى روحه ، أو الاقتراب من ذهنه 0 بين المشاهد الأولى والأخيرة تومض مواقف ، في البداية لم يكن غير وجود مهيب ( ومخيف أحيانا ) ، أقف عندما يجيء ، اقبل يده كلما رأيته ، انظر إلى الأرض وهو يحدثني 0 في النهاية ، أصبح الصديق الوديع ، ضل الوجود مهيبا ( ولم يعد مخيفا ) ، ضللت اقبل يده كلما رايته ، ، أتحدث إليه وعيناي لا تفارقان وجهه الجميل الذي اعشقه 0 اذكر كيف علمني السباحة ، كنت في ذلك الوقت في السادسة ، كنا بمفردنا في البركة ، كان يسبح ، وكنت أتعلق على حافة البركة نظر الي ّ وقال ببساطة متناهية : متى تنوي أن تسبح ؟ لم يلح ، كان مجرد سؤال وبعد ذلك بساعات كنت أسبح 0 كان هذا أسلوبه في التعامل : التلميح الذي لا يجرح ، والإيماءة التي لا تحرج ، لم يقل لي قط ( صلّ ِ! ) ، ولكنه ظل ، في كل رسالة تقريبا ، يذكرني بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة 0 لم يقل لي قط ( ذاكر ! ) ، ولكن فرحه بكل نجاح أحققه كان أوضح من أن يخفيه ، لم يقل لي قط ( حسن خطك ! ) ولكني سمعته يقول عن احد أقاربي بمسمع مني ( يا ليته يحسن خطه ! ) 0 أهدى لي ، ذات مرة ، وأنا على مشارف المراهقة كتابا دينيا ضخما ، وبعد ذلك بشهور أقبل عيد الفطر ، وأعطاني ( العيدية ) قلت : هذه عيدية السنة الماضية نفسها ، لم تزد ! - ولماذا تزيد ؟ - لأنني أصبحت أكبر بسنة 0 - وهل تعتقد أن تكبر ( العيدية ) معك ؟ - نعم ، لقد قرأت في الكتاب الذي أخذته منك إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال ما معناه : إن طمع ابن ادم يزيد كلما ازداد سنة 0 - صدق الرسول عليه الصلاة والسلام ، الم تقرا في الكتاب شيئا آخر ؟ الم تجد فيه شيئا عن القناعة ؟ قالها وهو يضحك ويضاعف ( العيدية ) ! كان يؤمن باقتسام الأشياء ، حتى اصغر الهدايا كان يقتسمها مع الحاضرين 0 كانت طلبات الآخرين ترهقه 0 سألته مرة لم لا يتجاهلها ، قال : -لا يا بني ، اليد العليا خير من اليد السفلى 0 عندما كنت احضر أطروحة الدكتوراه ، وتبين لأول مرة أهمية الوثائق التاريخية ، طلبت منه أن يدون مذكراته ، وعرضت عليه أن أتفرغ بعض الوقت لمساعدته ، ولكنه رفض ، وألححت عليه ، وفي النهاية قال : -هل تريدني أن اكتب ما يعرفه الناس جميعا ؟ هذا لا قيمة له ، هل تريدني أن أذيع أسرارا هي عندي بمثابة الأمانات ؟ هذا ما لا أستطيعه ، هل تريدني أن اكذب ؟ كان أبي في حياته يعني أشياء كثيرة ، ولكني لم أدرك كل ما يعنيه ، إلا بعد وفاته ، انه كان معلما موهوبا 0
موضوع اعجبني فنقلته لاخوتي
( بقلم الكاتب : غازي القصيبي )
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته | |
|
احلى الايام المدير العام
عدد المساهمات : 5753 تاريخ التسجيل : 15/02/2009
| موضوع: رد: من دفتر الذكريات الأربعاء أكتوبر 28, 2009 2:20 am | |
| افكار عميقه تفاعلت بشكل كبير مع الذكريات و احسستني طرفا فيها اسلوب رائع احسنت الاختيار يا حلا بارك الله بك
| |
|
braveheart عضو ماسي
عدد المساهمات : 2182 تاريخ التسجيل : 06/06/2009
| موضوع: رد: من دفتر الذكريات الأربعاء أكتوبر 28, 2009 2:27 am | |
| جزاك الله خيرا حلا،،،
مشكورة على الموضوع الجميل،،،
تقبلي مروري | |
|
حلا عضو ماسي
عدد المساهمات : 3396 تاريخ التسجيل : 04/07/2009
| موضوع: رد: من دفتر الذكريات الأربعاء أكتوبر 28, 2009 5:31 am | |
| يسعدني جدا مروركم يعطيني القوه للمثابره وكمال الطريق مشكورين | |
|
احلى ابو اليزن عضو ذهبي
عدد المساهمات : 904 تاريخ التسجيل : 07/08/2009
| موضوع: رد: من دفتر الذكريات الخميس أكتوبر 29, 2009 1:49 am | |
| مشكوره حلوش موضوع جذبني فعلا لقرائته وفهم جميع معانيه | |
|